فصل: (سورة الأحزاب: آية 31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{واتق الله} فيها {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} أنْ لو فارقها تزوّجتها.
قال ابن عبّاس: حبّها. وقال قتادة: ودَّ أنّه لو طلّقها.
{وَتَخْشَى الناس} قال ابن عبّاس والحسن: تستحيهم، وقيل: وتخاف لائمة الناس أنْ يقولوا أمر رجلًا بطلاق امرأته ثمّ نكحها حين طلّقها.
{والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} قال عمر وابن مسعود وعائشة: ما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم آية هي أشدّ عليه من هذه الآية.
وأخبرني الحسين بن محمد الثقفي عن الفضل بن الفضل الكندي قال: أخبرني أبو العبّاس الفضل بن عقيل النيسابوري، عن محمد بن سليمان قال: أخبرني أبو معاوية عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: لو كتم النبيّ صلى الله عليه وسلم شيئًا ممّا أُوحي إليه لكتم هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ}.
وقد روي عن زين العابدين في هذه الآية ما أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه عن طلحة بن محمد وعبد الله بن أحمد بن يعقوب قالا: قال أبو بكر بن مجاهد عن بن أبي مهران، حدّثني محمد بن يحيى أبي عمر العرني، عن سفيان بن عيينة قال: سمعناه من علي بن زيد بن جدعان يبديه ويعيده قال: سألني علي بن الحسين: ما يقول الحسن في قوله عزّ وجلّ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ}؟
فقلت يقول: لما جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنّي أُريد أن أُطلّق زينب، فأعجبه ذلك، قال: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله} قال علي بن الحسين: ليس كذلك، كان الله عزّ وجلّ قد أعلمه أنّها ستكون من أزواجه فإنّ زيدًا سيطلّقها فلمّا جاء زيد قال: إنّي أُريد أن أطلقّ زينب، فقال: أمسك عليك زوجك واتّق الله. يقول: فلِمَ قلت: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوجَكَ، وقد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجكَ. وهذا التأويل مطابق للتلاوة وذلك أنّ الله عزّ وجلّ حكم واعلم ابداء ما أخفى، والله لا يخلف الميعاد، ثمّ لم نجده عزّ وجلّ أظهر من شأنه غير التزويج بقوله: {زَوَّجْنَاكَهَا}.
فلو كان أضمر رسول الله صلّى الله عليه محبّتها، أو أراد طلاقها، لكان لا يجوز على الله تعالى كتمانه مع وعده أنْ يظهره، فدلّ ذلك على أنّه عليه السلام إنّما عوتب على قوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} مع علمه بأنّها ستكون زوجته، وكتمانه ما أخبره الله سبحانه به حيث استحيى أن يقول لزيد: إنّ التي تحتك ستكون امرأتي والله أعلم.
وهذا قولٌ حَسن مرضي قوي، وإن كان القول الآخر لا يقدح في حال النبيّ صلّى الله عليه، لاِنّ العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه لمأثم.
قوله: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا} أي حاجته من نكاحها {زَوَّجْنَاكَهَا} فكانت زينب تفخر على نساء النبي عليه السلام فتقول: أنا أكرمكنَّ وليًّا، وأكرمكنَّ سفيرًا، زوجكن أقاربكن وزوّجني الله عزّ وجلّ.
وأخبرنا أبو بكر الجوزقي قال: أخبرنا أبو العبّاس الدغولي قال: أخبرني أبو أحمد محمد ابن عبد الوهاب ومحمد بن عبيدالله بن قهراذ جميعًا، عن جعفر بن محمّد بن عون، عن المعلى بن عرفان عن محمّد بن عبدالله بن جحش قال: تفاخرت زينب وعائشة، وقالت زينب: أنا التي نزل تزوّجي من السماء، فقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطل على الراحلة، فقالت زينب: وما قلتِ حين ركبتها؟ قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل قالت: كلمة المؤمنين.
وأنبأني عقيل بن محمد أنّ المعافى بن زكريا أخبره عن محمد بن جرير، عن ابن حَميد عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: كانت زينب تقول للنبيّ عليه السلام: إنّي لأدلّ عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدلّ بهن: جدّي وجدّك واحد، وإنّي أنكحنيك الله في السماء، وإنّ السفير لجبرائيل.
قوله: {لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ} الذين تبنوه {إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَرًا} بالنكاح وطلقوهن أو ماتوا عنهن. قال الحسن: كانت العرب تظنّ أنّ حرمة المتبنى مشبّكة كاشتباك الرحم، فميّز الله تعالى بين المتبنى وبين الرحم فأراهم أنّ حلائل الأدعياء غير محرّمة عليهم لذلك قال: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [النساء: 23] فقيَّد {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا} كائنًا لا محالة، وقد قضى في زينب أنْ يتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه.
قوله: {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله} أحل الله {لَهُ سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} أي كسنّةِ الله، نصب بنزع حرف الخافض، وقيل: فَعَلَ سُنَّةَ اللهِ، وقيل: على الإغراء، أي ابتغوا سنّة الله في الأنبياء الماضين، أي لا يؤاخذهم بما أحلّ لهم.
وقال الكلبي ومقاتل: أراد داود عليه السلام، حين جمع الله بينه وبين المرأة التي هواها، فكذلك جمع بين محمد وزينب حين هواها، وقيل: الإشارة بالسنة إلى النكاح، وإنَّه من سنّة الأنبياء وقيل: إلى كثرة الأزواج مثل قصة داود وسليمان عليهما السلام.
{وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَّقْدُورًا} ماضيًا كائنًا. وقال ابن عبّاس: وكان من قدره أن تلد تلك المرأة التي ابتلى بها داود ابنا مثل سليمان وتهلك من بعده.
قوله تعالى: {الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله} محلّ الذين خفض على النعت على الذين خلوا {وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ الله} لا يخشون قالة الناس ولائمتهم فيما أحلّ الله لهم وفرض عليهم {وكفى بالله حَسِيبًا} حافظًا لأعمال خلقه ومحاسبتهم عليها، ثمّ نزلت في قول الناس إنّ محمّدًا تزوّج امرأة ابنه {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} الذين لم يلده فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إيّاها، يعني زيدًا، وإنّما كان أبا القاسم والطيب والمطهر وإبراهيم.
{ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين} أي آخرهم ختم الله به النبوّة فلا نبيّ بعده، ولو كان لمحمّد ابن لكان نبيًّا.
أخبرنا عبدالله بن حامد الوزان عن مكي بن عبدان، عن عبدالرحمن عن سفيان، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبيّ».
واختلف القرّاء في قوله: {خَاتَمَ النبيين} فقرأ الحسن وعاصم بفتح التاء على الاسم، أي آخر النَّبِين. كقوله: خاتمه مسك، أي آخره. وقرأ الآخرون بكسر التاء على الفاعل، أي أنّه خاتم النبيّين بالنبوّة.
{وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا أيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْرًا كَثِيرًا}.
قال ابن عبّاس: لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة إلاّ جعل لها حدًّا معلومًا، ثمّ عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإنّه لم يجعل له حدًّا يُنتهى إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلاّ مغلوبًا على عقله، وأمرهم بذكره في الأحوال كلّها فقال: {فاذكروا الله قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] وقال: {اذكروا الله ذِكْرًا كَثِيرًا} بالليل والنهار وفي البر والبحر والسفر والحضر والغنى والفقر والصحّة والسقم والسرّ والجهر وعلى كلّ حال. وقال مجاهد: الذكر الكثير أنْ لا تنساه أبدًا.
أخبرني ابن فنجويه عن ابن شبّه عن الفراتي، عن عمرو بن عثمان، عن أَبي، عن أبي لهيعة، عن دُراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا ذكر الله حتّى يقولوا مجنون» {وَسَبِّحُوهُ} وصلّوا له {بُكْرَةً} يعني صلاة الصبح {وَأَصِيلًا} يعني صلاة العصر عن قتادة.
وقال ابن عبّاس: يعني صلاة العصر والعشاءين. وقال مجاهد: يعني قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فعبّر بالتسبيح عن أخواته، فهذه كلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث.
قوله: {هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} بالرحمة. قال السدي: قالت بنو إسرائيل لموسى: أيصلّي ربُّنا؟ فكبر هذا الكلام على موسى فأوحى الله إليه أنْ قُل لهم: إنّي أُصلّي، وإنّ صلاتي رحمتي، وقد وسعت رحمتي كلّ شيء.
وقيل: {يصلّي} يشيع لكم الذكر الجميل في عباده. وقال الأخفش: يبارك عليكم {وَمَلاَئِكَتُهُ} بالاستغفار والدعاء {لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا}.
قال أنس بن مالك: لمّا نزلت {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} [الأحزاب: 56] الآية، قال أبو بكر: ما خصّك الله بشرف إلاّ وقد أشركتنا فيه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{تَحِيَّتُهُمْ} أي تحية المؤمنين {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} أي يرون الله عزّ وجل: {سَلاَمٌ} أي يسلّم عليهم ويسلّمهم من جميع الآفات والبليّات.
أخبرني ابن فنجويه، عن ابن حيان، عن ابن مروان عن أبي، عن إبراهيم بن عيسى، عن علي بن علي، حدّثني أبو حمزة الثمالي في قوله عزّ وجلّ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ} قال: تسلّم عليهم الملائكة يوم القيامة وتبشِّرهم حين يخرجون من قبورهم. وقيل: هو عند الموت والكناية مردودة إلى مَلك الموت كناية عن غير مذكور.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين، عن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك، عن إسحاق بن محمد بن الفضل الزيّات، عن محمد بن سعيد بن غالب، عن حمّاد بن خالد الخيّاط، عن عبد الله بن وافد أبو رجاء، عن محمد بن مالك، عن البراء بن عازب في قوله عزّ وجلّ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ} قال: يوم يلقون ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلاّ سلّمَ عليه.
وأخبرني الحسين بن محمد عن ابن حبيش المقرئ، حدّثني عبد الملك بن أحمد بن إدريس القطان بالرقة، عن عمر بن مدرك القاص قال: أخبرني أبو الأخرص محمد بن حيان البغوي، عن حمّاد بن خالد الخيّاط، عن خلف بن خليفة، عن أبي هاشم، عن أبي الأخوص، عن ابن مسعود قال: إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربّك يُقرئك السلام.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} وهو الجنّة.
قوله: {يا أيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} يستضيء به أهل الدين. قال جابر بن عبدالله: لمّا نزلت {إِنَّا فَتَحْنَا} الآيات، قال الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله هذه العارفة، فما لنا؟ فأنزل الله تعالى: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلًا كَبِيرًا وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين وَدَعْ أَذَاهُمْ} اصبر عليهم ولا تكافئهم. نسختها آية القتال {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وكفى بالله وَكِيلًا}.
قوله: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} تحصونها عليهن بالأقراء والأشهر {فَمَتِّعُوهُنَّ} أي أعطوهن ما يستمتعن به. قال ابن عبّاس: هذا إذا لم يكن سمّى لها صداقًا، فإذا فرض لها صداقًا فلها نصفه، وقال قتادة: هذه الآية منسوخة بقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وقيل: هو أمر ندب، فالمتعة مستحبّة ونصف المهر واجب {وَسَرِّحُوهُنَّ} وخلّوا سبيلهن {سَرَاحًا جَمِيلًا} بالمعروف، وفي الآية دليل على أنّ الطلاق قبل النكاح غير واقع خصَّ أو عمَّ خلافًا لأهل الكوفة.
أخبرني الحسين بن محمّد بن فنجويه، عن ابن شنبه، عن عبد الله بن أحمد بن منصور الكسائي، عن عبد السلام بن عاصم الرازي، قال: أخبرني أبو زهير، عن الأحلج، عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت قاعدًا عند علي بن الحسين، فجاءه رجل فقال: إنّي قلت: يوم أتزوّج فلانة بنت فلان فهي طالق. قال: اذهب تزوّجها، فإنّ الله عزّ وجلّ بدأ بالنكاح قبل الطلاق، وقال: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} ولم يقل إذا طلقتموهن ثمّ نكحتموهن ولم يرهُ شيئًا. والدليل عليه ما أخبرنا الحسين بن محمّد بن الحسين، عن عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال: أخبرني أبو بكر محمد بن إبراهيم المنذر النيسابوري بمكّة، عن الربيع بن سليمان، عن أيّوب بن سويد، عن ابن أبي ذيب عن عطاء، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق قبل نكاح».
قوله: {يا أيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} مهورهن {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَاءَ الله عَلَيْكَ} مثل صفية وجويرية ومارية {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} من نساء عبد المطلب {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ} من نساء بني زهرة {اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ} فمن لم تهاجر منهنّ فليس له نكاحها. وقرأ ابن مسعود: {واللاتي هَاجَرْنَ} بواو.
أنبأني عقيل بن محمد عن المعافى بن زكريا عن محمد بن جرير قال: أخبرني أبو كريب، عن عبد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح، عن أُمّ هاني قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثمّ أنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}.. إلى قوله: {اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قالت: فلم أحلّ له لأني لم أُهاجر، معه كنتُ من الطلقاء.
{وامرأة مُّؤْمِنَةً} أي وأحللنا لك امرأة مؤمنة {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} بغير مهر. وقرأ العامة إِن بكسر الألف على الجزاء والاستقبال، وقرأ الحسن بفتح الألف على المضي والوجوب، {إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا} فله ذلك {خَالِصَةً} خاصّةً لك، {مِن دُونِ المؤمنين} فليس لامرأة أنْ تهب نفسها لرجل بغير شهود ولا وليّ ولا مهر إلاّ النبيّ عليه السلام، وهذا من خصائصه في النكاح، كالتخيير والعدد في النساء، وما روي انّه أعتق صفيّة وجعل عتقها صداقها ولو تزوّجها بلفظ الهبة لم ينعقد النكاح، هذا قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء ومالك والشافعي وربيعة وأبي عبيد وأكثر الفقهاء.
وقال النخعي وأهل الكوفة: إذا وهبت نفسها منه وقبلها بشهود ومهر فإنَّ النكاح ينعقد والمهر يُلزَم به، فأجازوا النكاح بلفظ الهبة.
وقالوا: كان اختصاص النبي عليه السلام في ترك المهر. والدليل على ما ذهب الشافعي إليه: إنّ الله تعالى سمّى النكاح باسمين التزويج والنكاح، فلا ينعقد بغيرهما.
واختلف العلماء في التي وهبت نفسها لرسول الله، وهل كانت امرأة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذلك؟ فقال ابن عبّاس ومجاهد: لم يكن عند النبي صلّى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه، ولم يكن عنده عليه السلام امرأة إلاّ بعقد النكاح أو ملك اليمين، وإنّما قال الله تعالى: {إِن وَهَبَتْ} على طريق الشرط والجزاء.
وقال الآخرون: بل كانت عنده موهوبة، واختلفوا فيها. فقال قتادة: هي ميمونة بنت الحرث. قال الشعبي: زينب بنت خزيمة أُمّ المساكين امرأة من الأنصار. قال علي بن الحسين والضحّاك ومقاتل: أُمّ شريك بنت جابر من بني أسد. قال عروة بن الزبير: خولة بنت حكيم بن الأوقص من بني سليم.
{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} يعني أوجبنا على المؤمنين {في أَزْوَاجِهِمْ} قال مجاهد: يعني أربعًا لا يتجاوزونها.
قتادة: هو أنْ لا نكاح إلاّ بوليّ وشاهدين {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يعني الولائد والإماء {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} في نكاحهن {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الأحزاب: آية 31]:

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقًا كَرِيمًا (31)}.
وقرئ: تقنت، وتعمل: بالتاء والياء. ونؤتها: بالياء والنون. والقنوت: الطاعة، وإنما ضوعف أجرهنّ لطلبهنّ رضا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحسن الخلق، وطيب المعاشرة والقناعة، وتوفرهنّ على عبادة اللّه والتقوى.